الجهاد في سبيل الله
تعريف الجهاد:
الجهاد
لغة: مصدر من الجهد، والجهد بفتح الجيم وضمها وهما الطاقة والمشقة، تقول:
جهد دابته وأجهدها: بلغ جهدها وحمل عليها في السير فوق طاقتها.
والاجتهاد: بذل الوسع والمجهود.
أما في الشرع، فله إطلاقان:
أ ـ إطلاق خاص، ويراد به: بذل الجهد في قتال الكفار والبغاة.
ب
ـ إطلاق عام، وقد عرفه شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- بقوله: "الجهاد
حقيقة الاجتهاد في حصول ما يحب الله من الإيمان والعمل الصالح، ومن دفع ما
يبغضه الله من الكفر والفسوق والعصيان" (مجموع الفتاوي 10 /191).
وعلى
هذا، فكل ما يبذله المؤمن من جهد في الإيمان بالله تعالى وطاعته، ومقاومة
الشر والفساد والانحراف، ومجاهدة النفس في استقامتها على دين الله تعالى،
ومجاهدة الشيطان لدفع وسواسه، كذلك من الجهاد في سبيل الله.
أقسام الجهاد:
ينقسم الجهاد باعتبار إطلاقه إلى ما يلي:
1-
مجاهدة النفس، ويكون بالتزود من العلم الشرعي الذي ينير البصيرة، ويوضح
الطريق ثم بمجاهدتها للاستقامة على العمل الصالح المبني على العلم الصحيح.
ومن
جهاد النفس: مجاهدتها بكبح أهوائها وغرائزها التي تجنح بالإنسان إلى
الانغماس في الشهوات المحرمة، يقول تعالى: {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم
سبلنا} [سورة العنكبوت: آية 69].
ومن جهادها أيضاً: بذل المال في
وجوه الخير بعامة، وفي إعداد القتال بخاصة، يقول تعالى: {وما تنفقوا من شيء
في سبيل الله يوف إليكم وأنتم لا تظلمون} [سورة الأنفال: آية 60].
2- مجاهدة الشيطان، ويكون بدفع ما يلقي الشيطان في النفس من الشبهات المضلة، والشهوات المحرمة.
3- مجاهدة الفساق، ويكون بأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، وتوجيههم وإرشادهم ونصحهم بالتي هي أحسن.
4- مجاهدة المنافقين، ويكون بأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، ودحض شبهاتهم وإرجافاتهم، وبيان زيف ادعاءاتهم.
5- مجاهدة الكفار بدعوتهم وقتالهم. ينظر: (زاد المعاد لابن القيم 3/5).
فضل الجهاد في سبيل الله:
الجهاد
في سبيل الله الذي هو قتال الكفار ذروة سنام الإسلام، وبه قام هذا الدين،
وارتفعت رايته، وهو من أعلى القربات، وأجلِّ الطاعات، شُرع لإعلاء كلمة
الله تعالى، وتبليغ دعوته للناس كافة، والآيات الكثيرة، والأحاديث النبوية
دالة على هذا الفضل، يقول تعالى: {إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم
وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعداً عليه
حقاً في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم
الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم} [سورة التوبة: آية 111]، ويقول
تعالى: {الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم
درجة عند الله وأولئك هم الفائزون * يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان وجنات
لهم فيها نعيم مقيم * خالدين فيها أبداً إن الله عنده أجر عظيم} [سورة
التوبة: الآيات 20 ـ22]، ويقول تعالى: {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله
أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون * فرحين بما أتاهم الله من فضله
ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون *
يستبشرون بنعمة من الله وفضل وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين} [سورة آل
عمران: الآيات 169 ـ 171].
وروى الشيخان عن أبي هريرة -رضي الله
عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل: أي العمل أفضل؟ فقال: «إيمان
بالله ورسوله"، قيل: ثم ماذا؟ قال: «الجهاد في سبيل الله...» الحديث (أخرجه
البخاري في صحيحه، كتاب الإيمان، باب: من قال إن الإيمان هو العمل 1/77
برقم 26، وأخرجه مسلم في صحيحه كتاب الإيمان، باب: كون الإيمان بالله تعالى
أفضل الأعمال 1/88 برقم83).
وأخرجا أيضاً عن أنس رضي الله عنه
مرفوعاً: «لغدوة أو روحة في سبيل الله خير من الدنيا وما فيها» (أخرجه
البخاري، كتاب الجهاد، باب: الغدوة والروحة في سبيل الله 6/13 برقم2792،
وأخرجه مسلم، كتاب الإمارة، باب: فضل الغدوة والروحة 3/1499 برقم 1880).
حكم الجهاد:
اتفق
علماء المسلمين على أن جهاد الكفار وقتالهم لنشر دين الله فرض، ولكنه فرض
كفاية، إذا قام به من يكفي سقط الإثم عن الباقين، وذلك لقوله تعالى: {لا
يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله
بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة}
[سورة النساء: آية 95].
قال ابن قدامة رحمه الله: "وهذا يدل على أن القاعدين غير آثمين مع جهاد غيرهم" (المغني 13/6).
وقال
تعالى: {وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة
ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون} [سورة
التوبة: آية 122]، فنفى الله تعالى أن ينفر المسلمون للجهاد كافة، وحض على
أن ينفر من كل فرقة منهم طائفة تقوم بفرض الجهاد الذي يسقط عن الطائفة
الباقية.
الحالات التي يتعين فيها الجهاد:
ذكر العلماء أن الجهاد يتعين على الشخص في حالات ثلاث:
1-
إذا تقابل الصفان، فيحرم على من حضر الانصراف، يقول تعالى: {يا أيها الذين
آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفاً فلا تولوهم الأدبار* ومن يولهم يومئذ
دبره إلا متحرفاً لقتال أو متحيزاً إلى فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه
جهنم وبئس المصير} [سورة الأنفال: آيات 15، 16].
2- إذا نزل الكفار
ببلد معين، تعين على أهله قتالهم ودفعهم، فالدفاع عن النفس واجب، قال
تعالى: {وقاتلوا في سبيل الله الذي يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب
المعتدين} [سورة البقرة: آية 190].
3- إذا استنفر ولي الأمر قوماً
لزمهم النفير، قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا
في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع
الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل * إلا تنفروا يعذبكم عذاباً أليماً
ويستبدل قوماً غيركم ولا تضروه شيئاً والله على كل شيء قدير} [سورة التوبة:
آيات 38، 39].
متى يكون القتال جهاداً في سبيل الله؟
لا يخرج القتال عن مقصدين:
1-
أن يكون تلبية لأمر الله، وتضحية في سبيله، ونشراً لعقيدة التوحيد،
ودفاعاً عن حياض الإسلام وديار المسلمين وإعلاء لكلمة الله، فهذا الجهاد في
سبيل الله.
2- أن يكون خلاف ذلك المقصد، كأن يقاتل شجاعة، أو حمية
أو قومية، أو طلباً لمال، ونحو ذلك من الشعارات والمذاهب الباطلة، فهذا لا
يكون في سبيل الله.
سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل
يقاتل شجاعة، ويقاتل حمية، ويقاتل رياء، أي ذلك في سبيل الله؟ قال: «من
قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، فهو في سبيل الله» (أخرجه البخاري، كتاب
الجهاد، باب: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا 6/28، برقم 2810، وأخرجه
مسلم كتاب الإمارة، باب: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا 3/1512 برقم
1904).
الجهاد ماضٍ إلى يوم القيامة:
من حكمة الله تعالى أن
جعل الصراع بين الحق والباطل باقٍ إلى يوم القيامة، وما دام هذا الصراع
موجوداً فالجهاد موجود، لا يُحد بوقت معين، فمتى وجد الباطل والضلال
والكفر، فالجهاد ماض، وفضيلته باقية بحسب كل زمان ومكان، قال تعالى: {ولا
يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا} [سورة البقرة: آية
217].
وعن جابر رضي الله عنه مرفوعاً: «لا تزال طائفة من أمتي
يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة» (رواه مسلم في الإمارة باب: قول
النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تزال طائفة...» 3/1524 رقم 1923.
وقال صلى الله عليه وسلم: «الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة» (رواه البخاري رقم 2849، ومسلم رقم 1871).